دور المحامي في قضايا النفقة تحت ضل مدونة الأسرة
تُعَدُّ الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع، حيث تُعتبر القاعدة الأولى التي يتشكل عليها البناء الاجتماعي. بوصفها سليمة ومتينة، يكون المجتمع بأكمله قائماً بالاستقامة، بينما ينهار بانحلالها. تتألف الأسرة من روابط الزواج والأبوة، وتُسمى قائمتها على أساس علاقات التعاون والمودة والرحمة، بالإضافة إلى المعاملة الطيبة والالتزام المتبادل بين الزوجين. تُذكَر هذه القيم في قوله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة”.
تظهر الحكمة بوضوح في تنظيم العلاقات الأسرية بدقة، وعدم ترك الأفراد لطبيعتهم في مواجهة واجباتهم ومسؤولياتهم الأسرية، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى مفاسد عظيمة. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي تقصير الأزواج في واجباتهم نحو زوجاتهم إلى آثار سلبية كبيرة، وقد يتسبب اهمال الآباء لأبنائهم، وهم في أشد الحاجة إلى رعايتهم، إلى تدهور الوضع العائلي…
و لعل من بين أهم الواجبات المترتبة عن عقد الزواج، ما يتحمله الزوج من واجب الرعاية الاقتصادية للأسرة، وذلك بالإنفاق على الزوجة والأطفال، كما يتحمل الأطفال عند بلوغهم مع القدرة على الكسب، واجب الإنفاق على والديهم بشروط معينة.
موقف مدونة الأسرة من عناصر النفقة :
من خلال المادة 189 من مدونة الأسرة نقف على أن النفقة تشمل الغذاء والكسوة والعلاج، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد، مع مراعاة أحكام المادة 168 من نفس المدونة التي لا تدخل في مشمولات النفقة تكاليف سكنى المحضون وأجرى الحضانة.ومن الواضح أن المشرع المغربي لم يتحدث في النص أعلاه عن السكنى، وإنما أحال على المادة 168 التي تقرر بأن تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما ، وما يدل على وجوبها للزوجة ما نصت عليه المادة 196 التي جاء فيها ” المطلقة رجعيا يسقط حقهافي السكنى دون النفقة إذا انتقلت من بين عدتها دون موافقة زوجها أو دون عذر مقبول”.فبالإضافة إلى اشتمال النفقة على الغذاء والكسوة والعلاج والسكن، فمن المنطقي أن تستمل على مصاريف الولادة والنفاس والعقيقة، باعتبارها من الضروريات المنصوص عليها في المادة 189 من مدونة الأسرة المغربيةكما تعتبر توسعة الأعياد من مشمولات النفقة وهو ما دأب إليه القضاء المغربي على أنه” تعتبر واجبات الأعياد والمناسبات من مشتملات النفقة طبقا لمقتضيات المادة 189 من مدونة الأسرة.ثانيا: ضوابط تقدير النفقة
المادة 189 من مدونة الأسرة
مراعاة دخل الملزم بالنفقة و حال مستحقها :
يعتبر دخل الزوج المعيار الأساس في تحديد النفقة، و قد حثه الله سبحانه و تعالى على التوسعة على زوجته و عياله في الإنفاق، و ذلك مصداقا لقوله تعالى :” لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما اتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا”.
فالأصل إذن في تقدير النفقة مراعاة الإمكانيات المادية للملزم بها و حال مستحقها، و التقدير القضائي لها يقتصر على الضروريات اللازمة للعيش، دون أمور الرفاهية التي يتطوع بها الملزم بها حال عدم وجود النزاع، فلو لم يكن دخل الملزم بالنفقة محل تقدير، لأدى ذلك أحيانا إلى التكليف بما يجاوز الوسع، و الحكم بما لا يطيقه، و هذا فيه مخالفة للضابط القراني:” و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا كان بين ذلك قواما “. و هكذا إذن، فإنه عند ما يلف وشاح المحبة و المودة و التراحم العلاقات الأسرية، يكون الإنسان أميل إلى المكارمة و التوسعة على ذويه في النفقة و الكد في إرضائهم، فيجود عليهم بأجود الأطعمة و رفيع اللباس و كماليات الحياة…، التي هي من باب الإحسان و التفضل و غير ملزمة قضاء. و خلافا لذلك، فعند النزاع يعود الإنسان إلى حالته الطبيعية من تقتير و تشاح لقوله تعالى:” و كان الأنسان قتورا”، فيجحد حق المستحق للإنفاق أو التضييق عليه بالتذرع بالعسر، و دعوته خصمه إلى إثبات اليسر الذي هو خلاف الأصل في الناس العسر، و لما غلب على الناس الملاء صدق مدعيه تقديما للغالب على الأصل.
هذا و لا يجب تغييب حال مستحقها، و مركزه الاجتماعي، و الظروف التي يعيش فيها، و هذا ما نصت عليه المادة 185 من مدونة الأسرة بقولها: ” تحدد مستحقات الأطفال بنفقتهم طبقا للمادتين 168 و 190 بعده، مع مراعاة الوضعية المعيشية و التعليمية التي كانوا عليها قبل الطلاق” كما يجب أن تتركز العناصر المعتمدة في تحديد مستحقات الأطفال، على الوضعية التي كانوا يعيشون عليها قبل وقوع الطلاق، معيشة، و تعليما، و صحة، انطلاقا من معايير موضوعية. و تماشيا مع المادة 85 يجب على المحكمة عند تحديد مستحقات الأطفال، مراعاة الوضعية المعيشية و التعليمية قبل الطلاق، فالمناط إذن مراعاة حالة الملزم بها المادية يسرا و عسرا، و إذا تغيرت هذه الحالة بين تاريخ استحقاق هذه النفقة، و تاريخ القضاء بها، فالمعتد به هو تقديرها وقت الاستحقاق لا وقت القضاء، و هذا طبعا مع ضرورة مراعاة التوسط و الاعتدال.
دور المحامي في النفقة يتضمن العديد من النقاط الحيوية:
- تقديم المشورة القانونية: يقوم المحامي بتقديم المشورة اللازمة للأفراد في قضايا النفقة، حيث يشرح لهم حقوقهم والالتزامات المالية والقانونية المترتبة عليهم بموجب القوانين المحلية.
- تمثيل العملاء في المحكمة: يمثل المحامي عملاءه في الإجراءات القانونية المتعلقة بالنفقة أمام المحاكم. يتولى المحامي تقديم الحجج والدفاع عن مصالح عملائه بكفاءة وفعالية.
- إعداد الوثائق القانونية: يقوم المحامي بإعداد الوثائق القانونية المتعلقة بطلبات النفقة، مثل طلبات الدعم المالي والإفصاح عن المعلومات المالية، وتقديمها للمحكمة.
- التفاوض والوساطة: قد يقوم المحامي بالتفاوض مع الطرف الآخر أو ممثليه في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن قضية النفقة، وذلك بهدف تجنب الإجراءات القضائية أو تسويتها بشكل سلمي.
- تقديم الاستشارات المالية: في بعض الحالات، قد يقوم المحامي بتقديم الاستشارات المالية لعملائه، مثل تقدير التكاليف المتوقعة للحياة بعد الطلاق أو تقدير المبالغ المناسبة لطلبات النفقة.