عقوبة الإعدام بالمغرب بين الإلغاء التدريجي والإلغاء الكلي

عقوبة الإعدام بالمغرب بين الإلغاء التدريجي والإلغاء الكلي

تعد عقوبة الإعدام واحدة من أكثر العقوبات إثارة للجدل في المغرب، حيث تتقاطع الآراء بين مؤيدين يرون فيها وسيلة لتحقيق العدالة والردع، ومعارضين يعتبرونها انتهاكًا للحق في الحياة، وهو الحق الأسمى الذي يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية.

عقوبة الإعدام في القانون المغربي

تتضمن المنظومة القانونية المغربية عقوبة الإعدام في مجموعة من الجرائم الخطيرة، أبرزها:

  • الجرائم ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، مثل التجسس والخيانة العظمى.
  • الجرائم المرتبطة بالإرهاب، وفقًا للقانون 03-03.
  • الجرائم الجنائية الكبرى، مثل القتل العمد المقترن بظروف مشددة.
  • الجرائم العسكرية، في إطار قانون القضاء العسكري.

تتراوح الأحكام بين الإعدام، السجن المؤبد، أو السجن المؤقت حسب خطورة الجريمة والظروف المحيطة بها.

وضعية تنفيذ الإعدام في المغرب

على الرغم من أن عقوبة الإعدام منصوص عليها قانونيًا، فإن تنفيذها قد توقف فعليًا منذ عام 1993، حيث أصبح المغرب يُصنف ضمن الدول التي تُبقي العقوبة في قوانينها لكنها لا تنفذها، فيما يعرف بـ”تعليق التنفيذ”.

تشير الإحصائيات إلى أن العشرات من المحكوم عليهم بالإعدام يقبعون في السجون المغربية في ظروف تتسم بالضغوط النفسية والاجتماعية، نتيجة انتظار مصير غير معلوم.

الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب دعوات متزايدة للإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام، مستندة إلى مجموعة من الحجج:

  1. التوجه الحقوقي الدولي: المغرب طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يدعو إلى تقليص استخدام الإعدام وصولًا إلى إلغائه.
  2. الدستور المغربي لسنة 2011: ينص في ديباجته على الالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليًا، مما يشكل إطارًا نظريًا لدراسة إلغاء العقوبة.
  3. الضمانات القضائية: كثيرًا ما تُثار مخاوف حول إمكانية وقوع أخطاء قضائية تؤدي إلى تنفيذ العقوبة بحق أشخاص أبرياء.

الحجج المؤيدة للإبقاء على عقوبة الإعدام

في المقابل، يصر المؤيدون لعقوبة الإعدام على ضرورتها في مواجهة الجرائم الخطيرة، مستندين إلى ما يلي:

  • الردع العام: الإبقاء على العقوبة يشكل وسيلة لردع الأفراد عن ارتكاب الجرائم الخطيرة.
  • مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية: تستند الشريعة الإسلامية إلى مبادئ القصاص في بعض الجرائم، مما يجعل الإبقاء على الإعدام متماشيًا مع الهوية الدينية للمجتمع المغربي.
  • مطالب المجتمع: في حالات معينة، مثل الجرائم المرتبطة بالقتل الوحشي أو الاعتداءات الإرهابية، تطالب شرائح واسعة من المجتمع بتطبيق العقوبة.

الإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام: رؤى وآفاق

تشهد الساحة المغربية انقسامًا حادًا حول مسألة الإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام. وقد طالبت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، باتخاذ خطوات نهائية لإلغاء هذه العقوبة، مع استبدالها بعقوبات طويلة الأمد مثل السجن المؤبد.

ومع ذلك، يواجه هذا التوجه تحديات كبيرة، من بينها:

  • غياب إجماع سياسي وشعبي: تتردد السلطات التشريعية والتنفيذية في اتخاذ قرار جذري نظرًا للتباين الكبير في الآراء.
  • الاعتبارات الأمنية: في ظل تزايد التهديدات الإرهابية، يرى البعض أن الإبقاء على العقوبة يمثل ضرورة لضمان الأمن الوطني.

خلاصة

تظل قضية عقوبة الإعدام في المغرب موضع نقاش مستمر، حيث يتراوح التوجه بين السعي نحو الإلغاء التدريجي أو الكلي من جهة، والتشبث بها كإجراء رادع وضروري من جهة أخرى. ومع تطور النقاش الحقوقي والقانوني، يبدو أن مسألة الحسم في هذا الملف ستتطلب توافقًا وطنيًا عميقًا يوازن بين حماية الحقوق الفردية وضمان أمن واستقرار المجتمع.

الأستاذ أمين الصغير